تاكسي .. حواديت المشاوير

ده قصة من القصص المعبرة جدا فى كتاب تاكسى حواديت المشاوير .. 

(1)
يا إلهي!! .. كم عمر هذا السائق؟ وكم عمر هذه السيارة؟ لم أصدق عيني عندما جلست بجانبه .. فإن عدد الكرمشات في وجهه بعدد نجوم السماء. تضغط كل كرمشة على الأخرى بـ(حنيّة)، وتصنع وجها مصريا نحته (مختار). أما يداه اللتان تضغطان على المقود فإنهما تضغطان على المقود فإنهما تتمددان وتنكمشان عبر شرايينها البارزة وكأن شرايين النيل تغذي الأرض اليابسة، مع رعشة خفيفة لا تحرك المقود يميناً أو يساراً، فالسيارة تسير ثابته إلى الأمام، وتصدر من عينيه المغطتين بجفنين عملاقين حالة سلام داخلي تبعث فيّ وفي الدنيا الطمأنينة.

شعرت - بمجرد الجلوس إلى جانبه بفعل مجال مغناطيسي يصدره - أن الحياة بخير. وتذكرت لسبب مجهول شاعري البلجيكي المفضل (جاك بريل)، وكم كان مخطئا عندما كتب قصيدة شهيرة وغناها تقول: (( ما أحلى الموت مقارنة بالشيخوخة، وأن الموت بأية طريقة أفضل بكثير من الكبر)). لو جلس بريل بجانب هذا الرجل كما أفعل الآن لمسح قصيدته بـ(أستيكة).

أنا: حضرتك أكيد بتسوق من فترة طويلة.
السائق: أنا باسوق تاكسي من سنة 48.

لم أتصور أنه يمارس مهنة قيادة سيارات الأجرة منذ قرابة ستين عاماً .. لم أجروء على سؤاله عن سنه، ولكني وجت نفيس أسأله عن النتيجة.

أنا: وإيه يا ترى خلاصة خبرتك اللي ممكن تقولها لواحد زييّ، علشان أتعلم منها؟
السائق: نملة سوداء على صخرة سوداء في ليلة حالكة الظلمة يرزقها الله.
أنا: قصدك إيه؟
السائق: أحكيلك حكاية حصلت لي الشهر ده علشان تفهم قصدي.
أنا: أرجوك.
السائق: عييت لمدة 10 أيام عيا شديد، ماكنتش قادر أتحرك من السرير، وأنا طبعا على باب الله يعني اليوم بيومه معايا .. بعد أسبوع ماكنش فيه في البيت ولا مليم .. أنا عارف ومراتي مخبيّة عليّ .. أقول لها حنعمل إيه يا ستي؟ .. تقوللي الخير كتير يا أبو حسين وهي عمّالة تشحت أكل من كل الجيران .. وأنا طبعا ولادي اللي فيهم مكفّيهم، اللي جوِّز نص عياله ومش عارف يجوز النص التاني .. واللي عنده حفيد عيان بيجري بيه في المستشفيات .. القصد ما ينفعش نطلب منهم جاجة .. ده الواجب إن أنا اللي أساعدهم .. بعد عشرة أيام قلت للحاجة لازم أنزل الشغل .. حلفت عليّ وقعدت تصرخ وتقول إني لو نزلت ح أموت منها .. وبصراحة أنا ماكنتش قادر أنزل .. بس قلت لازم، كدبت عليها كدبة بيضة وقلت لها ح أقعد في القهوة ساعة .. أغيّر هوا علشان حاتخنق .. ونزلت ودورت العربية وقلت يا ربنا يا رزاق .. فضلت ماشي لغاية ما وصلت عند جنينة الأورمان ولقيت لك عربية بيجو 504 حالتها بريمو، وعطلت!! .. قلت له أوصّله.

ركب معايا الزبون .. طلع من عُمان، من عند السلطان قابوس، سألني تاخد كام؟ قلت له اللي تجيبه .. أكد عليّ .. اللي حادفعه حتاخده .. قلت له ماشي.

وأنا في الطريق عرفت إنه رايح قرية البضائع علشان عنده حاجة حيخلصها .. فعرّفته إن حفيدي بيشتغل هناك وإنه ممكن يساعده في تخليصها من الجمرك .. قال لي ماشي .. وبالفعل رحت ولقيت حفيدي هناك وفي ورديته .. خد بالك هنا إن أنا طبعا كان ممكن ما ألاقيهوش .. خلصنا الحاجات اللي عاوز يخلصها ورجعته الدقي.

سألني تاني حتاخد كام يا حاج؟

قلت إحنا اتفقنا، اللي تجيبه، فراح مديني خمسين جنيه خدّتهم وشكرته ودوّرت العربية .. سألني راضي؟ .. ردّيت وقلت له راضي.

قال لي بُص يا حاج .. الجمرك كان المفروض يبقى ـ1400 جنيه، دفعت أنا 600 جنيه. يعني الفرق 800 جنيه دول طالعين من ذمتي، يعني حلالك و200 جنيه أجرة التاكسي .. آدي ألف جنيه والخمسين اللي معاك هدية منّي!

شفت يا أستاذ؟ .. يعني مشوار واحد جاب لي ألف جنيه، ممكن أشتغل شهر وماجيبهومش .. شوف ربنا نزلني من بيتي وعطّل العربية البـ504 وأوجد ليّ كل المسببات علشان يرزقني الرزق ده .. أصل الرزق ده مش بتـــاعك والفلوس دي مش بتاعتك، كله بتاع ربنا .. دي الحاجة الوحيدة اللي اتعلمتها في حياتي.
نزلت من التاكسي آسفاً فقد كنت أتمنى لو جلست معه ساعات أخرى، ولكن للأسف كان لديّ أنا أيضاً موعد في سلسلة الجري المستمر وراء الرزق.

0 comments:

Post a Comment

About this blog

بلوج عادى باخبار عادية

Followers

About Me

My photo
واحد بيحاول يجد الطريق الامثل للحياه وطبعا الطريق ده لازم يكون فى سعادة و يكون قصير و يكون مفيش فى معاصى لانه فى النهاية هيوصلنى يا إما جنة او نار !!